- ما الذي يحدث هنا؟ ما بالكم تبكون هذا البكاء الفجيع ؟ .
.... لا احد يجيبه ويستمرون في عويلهم الجماعي الرهيب ..
- ما بال هؤلاء النسوة ينحن بهذه الحرقة المهولة؟ ألا يخبرني أحدا ما الذي يحدث؟ ما بالكم !!
... يتقدم منه شاب وقد تخبط الأرض ودموعه تنهمر من عينيه بغزارة....
- الأمر رهيب ... آه ( يغلبه البكاء).
- دع عنك هذا البكاء واخبرني بما يحدث.
... يتقدم منهما عجوز في الستينات من عمره...
- لا تكن قاسيا عليه يا سيدي ، ارحم دموعه المنسكبة .
- اخبرني أنت يا والدي ما الذي يحدث حتى استطيع المساعدة.
... تنتاب العجوز نوبة بكاء هو الآخر فيغرب عنه...
- يا الهي ، ألا يخبرني أحدا ما الذي يجري في هذه المدينة!!
.. تتقدم منه امرأة شابة ..
- (ببكاء حاد) .. سيدي ابني الذي لا يتجاوز الرابعة من عمره حاول قتلي بسكين المطبخ!
- ماذا تقولين؟
( ببكاء هستيري) ضرب أباه في بطنه بالسكين وقتل شقيقه الذي لم يتجاوز عامه الأول !!!
- يا للهول !!
- ثم خرج من البيت وامسك بمسدس وأطلق النار فقتل شخصين قبل أن ... (يزداد بكائها فيمنعها عن الكلام).
- أكملي ما الذي حدث بعد ذلك.
- أطلقت الشرطة عليه النار فقتل!!
... يتقدم منه أشخاص آخرين ودموعهم تسابق كلماتهم..
- وأنا يا سيدي ابنتي عمرها خمس سنوات قتلت شقيقها وجدتها قبل أن تقتل!!
- وأنا يا سيدي استيقظت فوجدت طفلي الرضيع مقتولا على يد شقيقه الأكبر!!
- وأنا طفلي قتله رجال الشرطة بعدما قتل اثنين منهم!!
يستمر البكاء الجماعي... . نحيب يخترق الجدران..... لا يستطيع التحمل ... يغادر المكان بعد سماعه لقصص رعب مشوبة بتراجيديا إنسانية دامية...
****
.... يستلقي على أريكة مكتبه .. لا يكاد يصدق ما يسمعه.. يستدعي كامل أعضاء مجلس المدينة وكبار رجال الأمن...
- اخبروني هل ما حدث حقيقة أم هو وهم جماعي؟
- ( قائد الشرطة ) رصدنا هذه المأساة في ضاحيتين بشرق المدينة، وقد قتل رجال الشرطة أكثر من عشرة أطفال.
- أجننتم تقتلون أطفال!! هذه جريمة عظيمة بل عار!!
- سيدي ماذا تريدنا أن نفعل؟ لقد قتل هؤلاء الأطفال أربعة من رجال الشرطة ، وقتلوا أفراد من عائلاتهم كما تسببوا في جرح العشرات.
- هل يعقل أن يرتكب أطفال لم يتجاوزا السادسة من أعمارهم هذه الجرائم المخيفة؟
- لم يعودوا أطفال إنهم شيطاين!!
- هل قبضتم على احدهم؟
- كلا ...لقد كانت سرعتهم هائلة.
- منذ متى بدأت هذه الأحداث؟
- منذ الفجر.
- اخضعوا جثث الأطفال للفحص الدقيق، ، وانشروا المفارز والكمائن في كل مكان وكونوا على أتم الاستعداد
****
... يعود رئيس المدينة إلى بيته المحاط بحراسة مشدده بعد الأحداث الدامية...
.. يستقبله زوجته وطفليه الصغيرين، يحتضنها بشدة، يقبلهما ويقضي معها بعض الوقت... يفد عليهم احد أطباء المشفى المركزي ، يقوم بحفص الأم والأطفال ليتأكد أن كل شي على ما يرام ... في المساء يقوم بجولة في أنحاء الحي، يشاهد الأطفال الصغار وهم يلعبون ويشاكسون..
- كل شي طبيعي ، هل يعقل أن ما حدث فجر اليوم كان جنونا جماعيا؟!
****
... يستيقظ على رنين الهاتف في ساعة متأخرة ...
- كارثة رهيبة يا سيدي، أرجوك احضر حالا.
... يستقل سيارته ليمضي به السائق بأقصى سرعة وسط حراسة مشددة..
... يشاهد ما لم يشاهده قط في حياته...
... عدد كبير من الأطفال الصغار ما بين الثالثة والسادسة عيونهم حمراء مشعة وشعورهم مجعدة ويصدرون أصوات مرعبة، يمسكون بالسكاكين والمسدسات ويهاجمون المارة والشرطة بوحشية..
قائد الشرطة - لقد قتلوا أكثر من ثلاثين شخصا حتى الان.
- ( بدهشة) هل قتلتم منهم أحدا؟
- لا ، ولكننا أقمنا حواجز لحماية رجال الشرطة ، ولكن الأمر خطير فقد يدمرونها ويهجمون علينا وحينها سنهلك لا محال.
.. يتمالك رئيس المدينة أعصابه ويستعيد شي من توازنه...
- إنهم أطفال على كل حال، أريد منكم أن تمسكوا باثنين منهم على الأقل أحياء.
- سنحاول يا سيدي.
... يحاول ثلاث من رجال الشرطة استدراج الأطفال إلى كمين، يلحق بهم أربعة أطفال، يهجمون على احدهم.
- خلصوني منهم سيقتلونني.
... يطلقون عليهم النار فيسقطون صرعى، ولكن سرعان ما يهجم عليهم أطفال آخرين... يفرون بأسرع ما يمكن نحو الكمين، يلقون على بعضهم الشباك المخدرة، إلا أن مجموعة كبيرة من الأطفال تتقدم نحو الكمين....
- ( قائد الشرطة) سيدي الأمر خطير ، ستنهار دفاعاتنا أمام تقدمهم...
- ( العرق يتصبب من جبينه بغزارة) حسنا افعلوا اللازم.
... قائد الشرطة يأمر جنوده بالاستعداد ....
- أطلقوا عليهم النار بمقدار خطرهم علينا.
.. يتجه الرصاص نحو الأطفال الذي يحاولون تدمير الحواجز فيتساقطون صرعا، إلا أن أطفال آخرين يحلون مكانهم وينضم إليهم ما تبقى منهم ليشكلوا تكتلا هائلا...
... قائد الشرطة لا يرى بدا من اتخاذ القرار المؤلم..
- أطلقوا النار عليهم وابيدوهم عن بكرة أبيهم.
... يصوب الرصاص نحوهم فيخرون قتلى في دقائق معدودة... يعم الهدوء أرجاء المكان.. الصمت المشوب بالدماء يسود الأرجاء...
... يتوسط رئيس المدينة عدد من العلماء والأطباء وقادة الأمن في جولة بين جثث الأطفال الصرعى...
- يا للهول إنها كارثة رهيبة.
- يجب علينا معرفة سبب هذه الفاجعة المدوية.
... فجأة يتعرض احدهم لهجوم من طفل لا يزال به رمق ويعضه في رجله.. يطلق عليه النار فيردى فورا..يبكي البعض من هول الموقف..
- تصور أن هذا الطفل هو طفلك أو طفلي؟ ماذا سيكون موقفك هل ستأمر بقتله ؟
... . تنهمر الدموع من بعضهم الآخر إلا أن رئيس المدينة يتمالك أعصابه رغم عيونه الدامعة...
- أرسلوا الأطفال المقبوض عليهم إلى المختبر ، أريد تحليل على أعلى درجة من الدقة ، لا بد من تفسير علمي لما يحدث.
يقطع حديثهم اقتحام عدد كبير من النساء والرجال لمنطقة الاشتباكات..
- ما الذي يحدث ؟
- يبدوا أنهم أباء وأمهات الأطفال يا سيدي.
- اوليست منطقة أمنية محظورة على العامة؟
- ولكنهم اقتحموها يا سيدي.
... كل أب يبحث عن طفله بين القتلى، كل أم تحتضن فلذة كبدها بين الأطفال الموتى... بكاء رهيب يمتد إلى الأرض ليخترق السماء وينزل على الأفلاك كذوي بشري رهيب.
****
(في المختبر)
- هل ظهرت نتيجة ما ؟
- ( مدير المختبر) لقد فحصنا جثث الأطفال فوجدنا أن جهازهم العصبي كان منهار تماما.
- وماذا عن الأطفال الأحياء الذين قبضنا عليهم؟
- لقد ماتوا!
- ماتوا .. كيف ؟
- لا املك تفسيرا ، لقد قيدوا بالسلال وبعد مقاومة شرسة سقطوا موتى.
- يا للهول!
- هل ما حدث للأطفال يعتبر طفرة سيكلوبيلوجية ؟
- إنها كذلك بالفعل ولكنها طفرة غامضة وقد بدأت عند الفجر.
- الفجر! لماذا في هذا الوقت بالتحديد؟
- حتى الان لا نملك تفسيرا لما يحدث.
- انه إذن الوقت الذي تتحول فيه ملائكتنا البشرية إلى شياطين! ويغذوا فجرها الزاهي فجرا شيطانيا مرعبا ؟.. أخشى أن تصاب بقية أحياء المدينة بهذا الجنون الدموي العاتي.
- اقترح أن نجمع أطفال الأحياء المصابة والمحتملة في أماكن آمنة لحمايتها ومراقبتها.
... يأمر رئيس المدينة بتنفيذ الاقتراح، تجمع السلطات مئات العائلات في معسكرات تابعة للشرطة...
... يستنفر العلماء والخبراء ورجال الشرطة وكبار موظفي المدينة لمراقبة سكان المعسكر من الأطفال وذويهم ... أباء وأمهات يداعبون أطفالهم .. الأطفال الأشقياء يلعبون مع بعضهم ... أجواء إنسانية مبهجة تعم المعسكر.. يسترخي الجميع ويعمهم السرور...
... ما أن يدخل الفجر حتى يبدأ شلال الدم.......
... تصرخ أم جراء عضة متوحشة من ابنها ... طفل صغير يحاول انتزاع قلب والده... أطفال يضربون احد الحراس بالعصي ويقذفونه بالحجارة...
... يجتمع الأطفال مع بعضهم ويهجمون على آبائهم وأمهاتهم .. الملائكة تتحول إلى شياطين متوحشة في فجر اسود عاتي...
الحرس يحمون الرجال والنساء ويعمدون إلى إخراجهم من المعسكر..يشاهد رئيس المدينة ومن معه أهوال الحادثة بذهول....
- ( مدير المعسكر) سيدي ماذا نفعل الان؟
- دعوا الأطفال في مكانهم ولا تؤذوهم ، وجهزوا لهم كل ما يحتاجوه ليظلوا على قيد الحياة.
****
.. يعلن الاستنفار العام في كافة أنحاء المدينة التي تتحول إلى منطقة مغلقة لا يدخلها احد ولا يخرج منها احد... يجتمع مئات العلماء والأطباء في محاولة لاكتشاف سر الفجر الشيطاني المرعب... ... رئيس المدينة يعود إلى منزله بعد فحص دقيق له ولأبنائه..يخلد للنوم بعد أيام من العمل الشاق المضني ولكنه يستيقظ بعد ساعات على صراخ زوجته...
... يشاهد منظرا مهولا.... الدم يتدفق من صدرها وهي تصرخ باكية....
...يحتضنها بحرقة...
- ما الذي اعتدى عليك يا عزيزتي؟
- (بصعوبة بالغة وببكاء يقطع الأنفاس) إنهما طفلاي!!!
- (بذهول) ماذا تقولين؟؟
- استيقظت على وقع ضربة أدمت صدري ، فتحت عيناي فوجدت طفلاي يصرخان ويصدران أصوات مخيفة.
- ما الذي حدث بعد ذلك؟
- ظلا ينظران لي بعيونهما الحمراء المرعبة ثم لاذا بالفرار.
- سأذهب للبحث عنهما.
- أرجوك أعدهما لي ومهما فعلا لا تقتلهما ، إن فعلت فسوف اقتل نفسي.
... يحتضنها والدموع تنهمر من مقلتيه...
- لا تقلقي يا عزيزتي اقسم لك باني سأعيدهما وهما على قيد الحياة.
****
... يرافقه بعض الحرس في رحلة البحث عن فلذتي كبده ، يهاجمهم مجموعة من الأطفال ... يطلق احد الحراس النار في الهواء لتخويفهم، ثم يفرون منهم بسرعة... وبعد ساعات من البحث المضني يلمح طفلين جالسين في الظلام... يحاول الاتصال بهما...
- سيدي الأمر جد خطير لا تحاول التحدث لهما.
- لربما يكونا ولداي.
... يقترب منهما..
- يا الهي إنهما هما !!
- سيدي أرجوك إنهما على غير طبيعتهما قد يقتلاك.
.. لا يلتفت له ويكمل مسيره نحوهما..
- تعالا يا حبيباي .. اقبلا علي يا كل حياتي.
.. يفتح ذراعه لهما.... يقتربان منه وهما يصدران أصوات مخيفة....
- أنتما صغيراي مهما كان ويكون.
... يغمض عينيه ويناديهما بصوت شجي إلا إنهما يهجمان عليه ويبدءان في عضه وتقطيع لحمه...
... تسيل منه الدماء ، يحاول حرسه انتزاعه منهما..
- كلا لا تتدخلوا ومهما فعلا لا تؤدوهما.
- سيدي سيقتلانك لا محال.
- نفذوا ما آمركم به ، إنهما ولداي ولن أؤديهما مهما حدث.
.. يستمران في تقطيع لحمه وهو يصرخ من الألم الفظيع، ولكن ما أن تشرق الشمس حتى ينتابهما صرع مخيف فيسقطا على الأرض... يحتضنهما والدهما رغم دماءه النازفة وجسده المتخن بالجراح..
... يبكي عليهما بحرقة ... تنسكب دموعه على جسديهما ... الحرس يبكون لبكائه ... وهو في قمة مصابه يشعر بيد احدهما وقد لامست كتفه، ثم يستيقظ طفله الآخر، وقد زالت أعراض مرضهما، يحتضنهما ببكاء غزير وشوق عارم....يشفى أطفال المدينة من المرض الشيطاني الغامض ... يعجز الأطباء وكبار العلماء عن حل لغز المرض الذي يصيب الأطفال عند الفجر، لقد جاء فجأة وذهب فجأة... أتى مع الفجر الأسود ورحل مع أشعة الشمس، كانت بدايته دم مسفوك بحقد شيطاني عات، ولكنه رحل على وقع دموع حب ليس لها حدود.
0 التعليقات:
إرسال تعليق
شارك بطرح تعليق _ سؤال _ او ابد ملاحظاتك